روى البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما عن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا.
قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل.
الشرح: 'غث' أي: الهزيل الرديء، 'على رأس جبل وعر' أي: صعب الوصول إليه، 'ولا سمين فينتقل' أي: تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه، بل يتركوه رغبة عنه لرداءته والمعنى: أن زوجها قليل الخير بخيل وسيء الخلق يترفع، ويتكبر، ويسمو بنفسه فوق موضعها.
قالت الثانية:
زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
الشرح: 'لا أبث خبره' أي لا أنشره وأشيعه، لأن خبره طويل وإن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته، لا سيما أني إن ذكرته فلسوف أذكر عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة، والعجرة نفخة في الظهر فإن كانت في السرة فهي بجرة والمقصود بها كما أسلفنا العيوب.
قالت الثالثة:
زوجي العشنق، إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق.
الشرح: 'العشنق' هو الطويل، والمعنى: أن زوجها ليس فيه أكثر من طول بلا نفع، فإن ذكرت عيوبه طلقني، وإن سكت عنها علقني، فتركني لا عزباء ولا مزوجة.
قالت الرابعة:
زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.
الشرح: وصفها فيه مدح بليغ، ومعناه ليس فيه أذى، بل هو راحة ولذاذة عيش، كليل تهامة لذيذ معتدل، ليس فيه حر، ولا برد مفرط، ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه، ولا يسأمني ويمل صحبتي.
قالت الخامسة:
زوجي إن دخل فهد، إن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد.
الشرح: هذا أيضًا مدح بليغ والـ'فهد' هو الحيوان المعروف وشبهته به لكثرة نومه يقال 'أنوم من فهد' تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي وهو المقصود من قولها: 'ولا يسأل عما عهد' أما إذا خرج وصار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد وهو وصف له بالشجاعة.
قالت السادسة:
زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.
الشرح: زوجها كثير الأكل مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منه شيء، والاشتفاف في الشرب أن يستوعب جميع ما في الإناء وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه ولم يتفقد أموري ومصالحي وأحزاني.
قالت السابعة:
زوجي عياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلا لك.
الشرح: وصفت زوجها بأنه أحمق منهمك في الشر أرعن كالمطبق عليه في حمقه ورعونته، وقد اجتمعت فيه المعائب فكل داء تفرق في الناس فهو فيه، لذا فلقد بلغ المنتهى في جمع النقائص والعيوب وسوء العشرة مع الأهل، وعجزه عن حاجتها مع ضربها وأذاه لها وإذا حدثته شتمها وإذا أغضبته شجها في رأسها أو يسكر عضوًا من أعضائها، أو جمع عليها كل هذه الأشياء الضرب والكسر والشج.
قالت الثامنة:
زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.
الشرح: 'الزرنب' نوع من الطيب، وأرادت طيب ثيابه ولين خلقه وحسن عشرته، والمس مس أرنب صريح في لين الجانب وكرم الخلق.
قالت التاسعة:
زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.
الشرح: 'رفيع العماد' وصفه بالشرف والسؤدد، و'طويل النجاد' تصفه بطول القامة فهو شريف طويل القامة جواد كثير الضيافة من اللحوم والخبز، فيكثر وقوده، فيكثر رماده و'الناد' مجلس القوم وصفته بالكرم والسؤدد، لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته، لأن الضيفان يقصدون النادي، ولأن أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب من النادي، واللئام يتباعدون عنه.
قالت العاشرة:
زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك.
الشرح: تعظم زوجها وتصفه بأن له إبلاً كثيرة فهي باركة بفنائه، لا يوجهها تسرح إلا قليلاً قدر الضرورة، فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها، و'المزهر' عود يضرب به، أرادت أن زوجها عَوّد إبله إذا نزل به الضيفان ضرب المزهر، فإذا سمعت الإبل صوته علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك.
قالت الحادية عشرة:
زوجي أبو زرع، فما أبو زرع، أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح.
أم أبي زرع فما أم أبي زرع، عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع، لا تبث حديثها تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا.
قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سريًا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعمًا ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجًا، وقال: كلي أم زرع، وميري أهلك، قالت: لو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
الشرح: تقول أم زرع: إن زوجها 'أبو زرع' قد حلاها من الذهب والفضة في إذنها فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها، وأسمنها وملأ بدنها شحمًا لكرمه وغناه، وفرحني ففرحت، وعظمني فعظمت عند نفسي، وقد كان أهلي أصحاب غنم وكنت أعيش معهم بشظف من العيش وجهد، فتزوجني أبو زرع وجعلني في أهل خيل وإبل وهو صاحب زرع يدوسه وينقيه، ويسمع قولي فيقبله ولا يقبحه فيرده، ومكفيّة بمن يخدمني فأنام حتى بعد طلوع الصباح، وأروى حتى أدع الشراب من شدة الري.
وعن أم أبي زرع قالت: إن أوعيتها التي فيها الطعام والأمتعة عظام كبيرة، وبيتها واسع فسيح، والمعنى أنها كثيرة الخير والنعمة.
وعن ابن أبي زرع قالت: مهفهف خفيف اللحم كالسعفة من جريد النخل وهو مما يمدح به الرجل، و'الجفرة' هي الأنثى من أولاد المعز والمراد أنه قليل الأكل والعرب تمدح به.
وعن بنت أبي زرع قالت: أنها مطيعة لأبويها منقادة لأمرهما، وهي ممتلئة الجسم سمينة أسفل البدن وهو موضع الكساء، خفيفة أعلاه وهو موضع الرداء، ويغيظ ضرتها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها.
وعن جارية أبي زرع قالت: أنها لا تشيع حديث البيت ولا تظهره بل تكتمه، وهي أمينة لا تفسد الطعام المجلوب ولا تفرقه، ولا تترك الكناسة والقمامة في البيت مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه.
ثم ذكرت قصة طلاقها من أبي زرع بأن خرج في يوم من الأيام فرأى امرأة مستلقية قد تعبت من خض أسقية اللبن التي يمخض فيها وحولها ولداها يلعبان برمانتين فأعجبته وتزوجها وطلق زوجته أم زرع.
بعد ذلك تزوجت أم زرع رجلاً سيدًا شريفًا سخيًا يركب فرسًا سريعة لا تكل ولا تفتر ويحمل معه رمحًا، وقد أتى بإبله وغنمه وبقره وهي كثيرة إلى مراحها ومرابضها وأعطاها من كل نوع زوجًا أي اثنين وقال لها: كلي وأعطي أهلك وصليهم، ومع ذلك كله قالت أم زرع: فلو جمعت كل شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع، من حبها لأبي زرع.
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'كنت لك كأبي زرع لأم زرع ولكن أبى زرع طلق وأنا لا أطلق"